IRRC No. 901

اللجنة الدولية للصليب الأحمر - سؤال وجواب حول مسألة الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان

Reading time دقائق للقراءة 3
تنزيل PDF
يمكنك العثور على هذا أيضًا باللغة

Abstract
تجري الأعمال الحربية في النزاعات المسلحة المعاصرة على نحو متزايد في المراكز والتجمعات السكانية، ومعها تزداد مخاطر تعرض المدنيين للأذى. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع التوسع العمراني المتزايد، وأن يتفاقم نظرًا لأن المتحاربين غالبًا ما يتفادون مواجهة خصومهم في مكان مكشوف ويختلطون بدلًا من ذلك بالسكان المدنيين. ومع ذلك، فإن النزاعات المسلحة ما زالت تدور رحاها في كثير من الأحيان باستخدام أنظمة أسلحة مُصمَّمة في الأصل لاستخدامها في ساحات المعارك المفتوحة. وليس هناك بوجه عام ما يبعث على القلق حينما تُستخدَم أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في ساحات المعارك المكشوفة، ولكن حينما تُستخدم في ضرب أهداف عسكرية موجودة في مناطق مأهولة بالسكان، فإنها تخلِّف في العادة آثارًا عشوائية، ويكون لها في الغالب عواقب مدمرة على السكان المدنيين. وما زالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) شاهدة عيان على هذه الآثار وهي تساعد ضحايا النزاعات المسلحة التي تُستخدم فيها أسلحة متفجرة في مناطق مأهولة بالسكان. وتُعبِّر اللجنة الدولية عن قلقها لأطراف هذه النزاعات المسلحة في إطار حوارها الثنائي والسري بشأن سير الأعمال الحربية. ومنذ عام 2009، ما انفكت اللجنة تُعبِّر علانيةً عن مخاوفها في ما يتعلق باستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.

وأعلنت اللجنة الدولية، على الملأ للمرة الأولى في عام 2011 موقفها القائل بأنه "ينبغي تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة التي تصيب منطقة واسعة في المناطق المكتظة بالسكان بسبب الاحتمال الكبير للآثار العشوائية، وعلى الرغم من عدم وجود حظر قانوني صريح لأنواع محددة من هذه الأسلحة"[1]. واتخذت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ككل في 2013 هذا الموقف بتعبيرات مماثلة[2].

ووسَّعت اللجنة الدولية تحليلها للمسألة في تقرير عُرِض على المؤتمر الدولي الثاني والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر في 2015، والذي يستند إليه مقال سؤال وجواب الحالي. وارتكز التقرير على أدلة جمعتها اللجنة الدولية عن الآثار الفورية وطويلة الأمد لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة وعلى السياسات العسكرية القائمة والممارسات المتصلة بالحرب في المناطق المأهولة. واستند أيضًا إلى آراء وأفكار متبصرة حصلت عليها اللجنة الدولية في اجتماع للخبراء حول هذه المسألة قامت بتنظيمه في وقت سابق في عام 2015[3].

 

وبالتوازي مع ذلك، استرعى الأمين العام للأمم المتحدة انتباه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الحاجة إلى تعزيز سبل حماية المدنيين بالنظر إلى الآثار الإنسانية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، مثلما فعلت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية[4]. وبات أيضًا عدد متزايد من الدول يقر بالشواغل الإنسانية التي أثارتها هذه الظاهرة[5].

 

سؤال وجواب عن الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان

 

  1. ما هي الأسلحة المثيرة للقلق؟

 

الأسلحة المتفجرة التي تثير شواغل إنسانية عند استخدامها في المناطق المأهولة هي تلك التي تمتد "آثارها إلى رقعة واسعة" - أو تُخلِّف "آثارًا واسعة النطاق".

والأسلحة المتفجرة هي أسلحة تُحدِث إصابة أو ضررًا بوسائل القوة التفجيرية[6]. وقد يكون لها "آثار تمتد إلى رقعة واسعة" عند استخدامها في مناطق مأهولة وذلك بسبب:

- المدى التدميري الكبير للذخيرة الواحدة المستخدمة، أي انفجارها الكبير ونطاق تشظيها مثل القنابل الكبيرة والهاونات ذات العيار الكبير والصواريخ والصواريخ الكبيرة الموجهة وقذائف المدفعية الثقيلة؛

- نقص دقة نظام الإطلاق مثل الأسلحة النارية غير المباشرة التي لا ترصد فيها منصة إطلاق السلاح الهدف مثل الهاونات والصواريخ وقذائف المدفعية (لا سيما عند استخدام ذخائر غير موجهة) وقذائف غير موجهة تطلق من الجو؛

- لأن نظام السلاح مصمم لإطلاق ذخائر متعددة على منطقة واسعة مثل أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة.

وفي هذا الصدد، لا تتعلَّق مسألة الأسلحة المتفجرة بسلاح واحد فقط، وإنما بطائفة من أنظمة الأسلحة التقليدية المختلفة، ويجب مراعاة ظروف استخدامها، بما في ذلك مواطن استضعاف المدنيين الذين يعيشون في مناطق مأهولة.

وبقدر ما تندرج الأجهزة المتفجرة البدائية في إحدى الفئات العامة الثلاث للأسلحة المتفجرة المُبيَّنة آنفًا، فإنها تبعث أيضًا على القلق عند استخدامها في المناطق المأهولة.

وتخرج عن نطاق هذه المناقشة الأسلحة المتفجرة التي تكون محظورة بالفعل أو ما عدا ذلك مقيَّدة بمقتضى معاهدات القانون الدولي الإنساني مثل الألغام المضادة للأفراد، والذخائر العنقودية. واستُبعِدت أيضًا المسائل المتصلة بمخلفات الحرب المتفجرة، التي مع أنها تشكل خطرًا بالغًا على المدنيين وتنتج عن قرار استخدام الأسلحة المتفجرة، فإنه تحكمها معاهدة مُعيَّنة[7].

 

 

 

2. ما المقصود بـ"المناطق المأهولة بالسكان"؟

 

بعبارة مُبسَّطة، ينبغي فهم عبارتي "مناطق مكتظة بالسكان" و"مناطق مأهولة" على أنهما مرادفتان لعبارة "مناطق تمركز المدنيين" التي يرد تعريفها في القانون الدولي الإنساني على أنها "مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخرى تضم تركزًا مشابهًا لمدنيين أو لأعيان مدنية"[8].

 

3. ما هي العواقب الإنسانية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان؟

 

تُخلِّف الحرب في المناطق المأهولة بالسكان باستخدام الأسلحة المتفجرة التي لها آثار واسعة النطاق تبعات رهيبة على المدنيين. وأظهرت النزاعات المسلحة التي نشبت في الآونة الأخيرة أن استخدام هذه الأسلحة من الأسباب الرئيسية لسقوط قتلى وجرحى من المدنيين، ولإلحاق الضرر أو التدمير بمنازل المدنيين والبنية التحتية الأساسية، ومن ثمَّ إلى تعطيل الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية وتوزيع إمدادات المياه وغيرها من الخدمات اللازمة لبقاء السكان المدنيين[9].

 

         ومن حيث الآثار على صحة الناس، فإنها لا تقتصر على الوفاة والإصابة البدنية، والإعاقة طويلة الأمد، لكنها تشمل أيضًا آثارًا طويلة الأمد على الصحة النفسية. ويُؤثِّر استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة أيضًا على قدرة مرافق وخدمات الرعاية الصحية على العمل، ومواكبة التدفق السريع والمتوالي لأعداد ضخمة من الجرحى، وعلى علاج الإصابات التي يعانون منها، وتقديم الرعاية الكافية لهم. وتتفاقم الآثار سالفة الذكر في السياقات التي يستمر فيها استخدام الأسلحة المتفجرة أمدًا طويلًا، وما يعقب ذلك من تدنِّي الخدمات الأساسية بمرور الوقت ومخاطر شديدة على الصحة العامة[10]. ولا يجد المدنيون في الغالب خيارًا سوى الرحيل ومن ثم تزداد أعداد النازحين.

 

4. ما هي أحكام القانون الدولي الإنساني المنطبقة على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان؟

 

بالنظر إلى العواقب الإنسانية المُبيَّنة آنفًا، وكما سبق ذكره، فإن اللجنة الدولية ترى أن الأسلحة المتفجرة التي لها آثار واسعة النطاق يجب ألا تُستخدَم في المناطق المكتظة بالسكان بسبب الاحتمال الكبير أن تُخلِّف آثارًا عشوائية، وهو ما يعني أن استخدامها ضد أهداف عسكرية موجودة في مناطق مأهولة من المرجح أن يخالف أحكام القانون الدولي الإنساني التي تحظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة.

 

والهجمات العشوائية هي تلك الهجمات التي من طبيعتها أن تصيب أهدافًا عسكرية ومدنيين أو أعيانًا مدنية دون تمييز، لا سيما لأنها تستخدم وسائل وأساليب للحرب لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري محدد أو لا يمكن حصر آثارها على النحو المطلوب في القانون الدولي الإنساني[11]. وتُعامَل الهجمات غير المتناسبة والقصف بالقنابل على أنها أشكال مُحدَّدة للهجمات العشوائية. وتحظر قاعدة التناسب الهجمات أو الهجوم " الذي يمكن أن يُتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرارًا بالأعيان المدنية، أو أن يُحدث خلطًا من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة"[12]. ويُعرَّف القصف بالقنابل بأنه "الهجوم - أيًّا كانت الطرق والوسائل - الذي يعالج عددًا من الأهداف العسكرية واضحة التباعد والتميُّز بعضها عن البعض الآخر والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخرى تضم تركزًا من المدنيين والأعيان المدنية على أنها هدف عسكري واحد".[13] ويجب على أطراف النزاع المسلح احترام هذه الأحكام المذكورة آنفًا في جميع الظروف[14]، حتى إذا لم تتوفر لديها أسلحة أو تكتيكات بديلة يمكنها التمييز بدرجة كبيرة بين الأهداف.

 

بالإضافة إلى هذه الالتزامات، يُلزم الحكم الخاص بالاحتياطات أثناء الهجوم - وهو أحد أحكام القانون الدولي الإنساني - أطراف النزاع المسلح بتوخِّي الحذر الدائم في إدارة العمليات العسكرية من أجل تجنيب السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية الآثار المترتبة عليها. ويُوجِب هذا الحكم على "من يخطط لهجوم أو يتخذ قرارًا بشأنه اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند اختيار وسائل وأساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم أو الأضرار بالأعيان المدنية أو أن يُحدث خليطًا من هذه الخسائر والأضرار"[15]. وعند إدارة الأعمال الحربية في المناطق المأهولة بالسكان، يلزم حكم الاحتياطات أطراف النزاع باختيار أكثر الأسلحة المتاحة دقةً أو التماس أسلحة و/أو تكتيكات بديلة.

 

5. كيف يمكن تنفيذ هذه الأحكام في العمليات العسكرية؟

 

إن تقييم ما إذا كان الهجوم عشوائيًّا أو غير متناسب، وما إذا كانت كل الاحتياطات الممكنة قد اتخذت يستند لا إلى الإدراك المتأخر بعد وقوع الأمر، وإنما إلى تصورات القائد العسكري بناء على المعلومات المتاحة له وقت الهجوم. وتشمل هذه المعلومات الآثار المتوقعة للأسلحة التي تحت تصرفه في ضوء خصائصها الكامنة، وكذلك ملابسات استخدامها، ومنها البيئة المادية التي يوجد فيها الهدف العسكري وإمكانية استضعاف السكان المدنيين وتعريض الأعيان المدنية في المناطق المحيطة للخطر.

ومن بين هذه العوامل يتحكم القائد العسكري أكثر ما يتحكم في اختيار السلاح والأسلوب الذي سيُستخدم به. وفي هذا الصدد، تشمل المتغيرات المتصلة باختيار السلاح واستخدامه التي يمكن للقائد التأثير فيها من أجل احترام أحكام القانون الدولي الإنساني سالفة الذكر، نوع وحجم الرأس الحربي (الذخيرة)، ونوع فتيل الإشعال، ونظام الإطلاق، والمسافة التي يُطلق منها السلاح وزاوية الهجوم وتوقيته. والمهارات التقنية للقوات المسلحة في اختيار واستخدام الأسلحة والتي اكتسبت من خلال التدريب هي أيضًا عوامل حاسمة ستؤثر على نتيجة الهجوم[16]. ومع ذلك، فإنه حتى بعد اتخاذ كل هذه التدابير والاحتياطات، فإن أسلحة متفجرة مُعيَّنة قد يكون لها آثار عرضية ملموسة فورية وعلى الأمد الطويل على المدنيين والأعيان المدنية عند استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان.

 

وتُشكِّل الحرب في المناطق المكتظة بالسكان التي تختلط فيها الأهداف العسكرية بالأشخاص والأعيان المحمية تحديًا مهمًّا على صعيد العمليات للقوات المسلحة[17]. ويتحمل القائد العسكري مسؤولية تقليل الآثار العرضية للهجوم على المدنيين، وتزداد هذه المسؤولية في بيئة يُشكِّل فيها المدنيون والبنية الأساسية المدنية الخصائص الرئيسية لمسرح العمليات. ويصدق هذا القول بنفس القدر حينما يتعمد الطرف الخصم الاختلاط بالمدنيين لحماية أنشطته العسكرية - وهو سلوك مخالف للقانون، لكنه مع ذلك لا يعفي الطرف المهاجم من التزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني. ومن ثم تتطلب حرب المدن عملية تحليلية أكثر استقصاء أثناء مرحلة التخطيط، وكذلك في العملية المعقدة لاتخاذ القرارات في الحالات الواقعية. وكما هو مُبيَّن آنفًا، ينبغي للقائد العسكري أن يأخذ في الحسبان عددًا أكبر من العوامل عند إدارة الأعمال الحربية في المناطق المكشوفة.

 

وأكثَر مِما عليه الحال في المناطق المكشوفة، تتوقف قدرة الطرف المهاجم على احترام القانون الدولي الإنساني في المناطق المأهولة بالسكان على وسائل وأساليب الحرب التي يختار استخدامها أو عدم استخدامها مع الأخذ في الاعتبار الآثار المتوقعة في مثل هذه البيئات، ومنها الآثار الارتدادية. ومع أن بعض الممارسات العسكرية مثل منهجيات "تقدير الأضرار الجانبية"، و"الحد الأدنى للمسافات الآمنة"، وكذلك الدروس المستفادة من "تقييمات أضرار المعارك" بعد الهجوم، و"استعراضات ما بعد العمليات" قد تساعد في تقليل الأضرار العرضية على المدنيين، فإنه لا يزال غير واضح كيف تدمج هذه الممارسات متطلبات أحكام القانون الدولي الإنساني التي نوقشت آنفًا.

 

وما يبدو مؤكدًا هو أن التدريب الشامل للقوات المسلحة على اختيار واستخدام وسائل وأساليب الحرب في المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك القدرات التقنية للأسلحة التي تحت تصرفهم، ذو أهمية حيوية لتفادي الأضرار العرضية بالمدنيين في هذه البيئة أو تقليلها قدر الإمكان. علاوة على ذلك، قد تكون إرشادات الاستهداف المُحددة المنطبقة على استخدام أسلحة متفجرة مُعيَّنة في المناطق المأهولة مطلوبة لضمان الامتثال لأحكام القانون الدولي الإنساني. بيد أن قلةً من القوات المسلحة هي المعروف أنها تجري تدريبًا لأفرادها على حرب المدن على وجه التحديد أو تقوم بتطبيق قيود مُعيَّنة على اختيار واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة من أجل تفادي الأضرار العرضية بالمدنيين أو تقليلها قدر المستطاع.

 

6. ما هو التحدي الرئيسي فيما يتعلق بحظر الهجمات العشوائية؟

 

يأخذ حظر الهجمات العشوائية في الحسبان حقيقة أن وسائل وأساليب الحرب التي يمكن استخدامها على الوجه الأكمل بشكل مشروع في بعض الحالات قد يكون من طبيعتها في ظروف أخرى (بما في ذلك بسبب الطريقة التي تُستخدَم بها) أن تصيب دونما تمييز الأهداف العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية[18]. والحرب في المناطق المأهولة بالسكان هي بالتأكيد حالة قد تضفي صفة العشوائية على الأسلحة المتفجرة التي يمكن استخدامها بشكل مشروع في ظروف أخرى مثل ساحة المعارك المكشوفة.

ويشمل حظر الهجمات العشوائية تلك التي تستخدم أسلوبًا أو وسيلة إطلاق لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري مُعيَّن[19]. وليس واضحًا ما هي درجة دقة السلاح أو معيار دقته الذي ترى الدول أنه سيكون مقبولًا بموجب هذه القاعدة بوجه عام أو في حالة عمليات مُعيَّنة. مهما يكن من أمرٍ، فإن أي معيار للدقة يجب أن يكون متفقًا مع الهدف العام وهو حماية المدنيين من آثار الأعمال الحربية.

ومع ذلك، فإن أوجه عدم الدقة في أنواع مُعيَّنة من أنظمة الأسلحة المتفجرة - مثل كثيرٍ من قذائف المدفعية، والهاونات وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة المستخدمة اليوم، لا سيما عند استخدام ذخائر غير مُوجَّهة، وكذلك القنابل غير الموجهة التي تُطلق من الجو - تثير شواغل جدية في ظل حظر الهجمات العشوائية عندما تُستخدم في المناطق المأهولة بالسكان. ومع أن زيادة دقة أنظمة الإطلاق تساعد على تقليل الآثار واسعة النطاق للأسلحة في المناطق المأهولة، فإنه يمكن تفادي الدقة باستخدام ذخائر ذات عيار كبير - أي ذخائر لها مدى تدميري واسع بالنسبة لحجم الهدف العسكري - وهو ما قد يكون على الرغم من ذلك انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني.

وقد يصبح تفسير حظر الهجمات العشوائية أكثر تعقيدًا مع ابتكار وسائل وأساليب جديدة للحرب، لا سيما مع التقدم في الأسلحة عالية الدقة. فعلى سبيل المثال يُفهم معنى الأهداف العسكرية "واضحة التباعد والتميز بعضها عن بعض" في حظر القصف بالقنابل على أنه يشير إلى مسافة كبيرة بدرجة كافية على الأقل بحيث تتيح مهاجمة الأهداف العسكرية منفردةً كل على حدة[20]. ويشير هذا الفهم ضمنًا إلى التطبيق العملي لحظر القصف بالقنابل، وبالتالي فإن حظر الهجمات العشوائية يمكن أن يتطور وفقًا لتطوير قدرات الأسلحة الجديدة.

7. ما هو التحدي الرئيسي في ما يتعلق بحظر الهجمات العشوائية؟

 

أبرز آثار الهجوم باستخدام الأسلحة المتفجرة في مناطق مأهولة بالسكان هي الوفيات والإصابات الفورية (أو "المباشرة") بين المدنيين والأضرار التي تصيب الأعيان المدنية من جراء انفجار الأسلحة وآثار التشظِّي. وثمة آثار أقل بروزًا ولكن على نفس القدر من التدمير، وهي الآثار الارتدادية (التي يشار إليها أيضًا بالتداعيات أو "الآثار طويلة الأجل") للهجوم، كتداعيات الأضرار العرضية التي تصيب أعيانًا مدنية مُعيَّنة. على سبيل المثال، الأضرار العرضية التي تصيب منازل المدنيين قد تؤدي إلى نزوح المدنيين، أما الأضرار التي تصيب المستشفيات فتؤدي على الأرجح إلى تعطيل الخدمات الطبية، وهو ما يفضي إلى وفاة المرضى. وتعد البنية التحتية المدنية الحيوية مثل المرافق وشبكات إمدادات المياه والكهرباء الحيوية هشة للغاية وعرضة للآثار العرضية للأسلحة المتفجرة. والترابط بين الخدمات الأساسية التي تعتمد على مرافق البنية التحتية الحيوية قوي إلى درجة أن تعطُّل إحدى الخدمات ستكون له آثار مباشرة على الخدمات الأخرى. وهكذا، فإن الأضرار العرضية التي تصيب البنية التحتية الحيوية قد تسبب تعطيلًا شديدًا للخدمات الأساسية التي يعتمد عليها السكان المدنيون لبقائهم على قيد الحياة مثل الرعاية الصحية، وإمدادات الطاقة والمياه، وإدارة المخلفات، وهو ما يؤدي إلى انتشار المرض ومزيد من الوفيات.

السؤال الذي يثور هو هل الآثار الارتدادية لهجوم باستخدام أسلحة متفجرة في مناطق مأهولة يجب أن يأخذها المهاجم في الحسبان عند تقييم الإصابات العرضية المتوقعة في صفوف المدنيين والأضرار في الأعيان المدنية كما تقضي أحكام القانون الدولي الإنساني المتصلة بالتناسب والاحتياطات في الهجوم والتي سبقت الإشارة إليها. مع التسليم بصعوبة التطبيق بل والاستحالة على القادة العسكريين أن يأخذوا في الاعتبار كل الآثار المحتملة للهجوم، ترى اللجنة الدولية أن تلك الآثار الارتدادية التي يمكن توقعها في الظروف السائدة يجب أن تؤخذ في الحسبان.

 

ومع أن ثمَّة تأييدًا لهذا الرأي، لا تزال تثور شكوك في ما يتعلق بأي الآثار الارتدادية للهجوم تُعَد "متوقعة". وعلى الرغم - كما هو مُبيَّن آنفًا - من أن هذا التقييم يراعي اعتبارات السياق، فإن اللجنة الدولية ترى أنه يتحدَّد على نحو موضوعي بما هو متوقع على أساس قاعدة "شخص حسن الاطلاع في حدود المعقول في ظروف [المهاجم] يستخدم المعلومات المتاحة له استخدامًا رشيدًا"[21]. وفي هذا الصدد، يقال إن أولئك الذين يخططون ويتخذون قرارًا بشأن هجوم عليهم التزام بفعل كل ما هو ممكن للحصول على المعلومات التي تتيح إجراء تقييم سليم للآثار العرضية المتوقعة على المدنيين والأعيان المدنية. علاوةً على ذلك، ما هو متوقع بشكل موضوعي من جانب القائد العسكري في حالة مُعيَّنة يجب أن يسترشد بالخبرات السابقة والدروس المستفادة من القوات المسلحة لبلاده. وينبغي أيضًا أن يأخذ في الحسبان الخبرات المتنامية للقوات المسلحة الأخرى في حرب المدن حينما تكون متاحة. بعبارة أخرى، مع ازدياد الفهم للآثار الارتدادية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، تساعد هذه المعرفة في استنارة التقييمات والقرارات في المستقبل وفقًا لقواعد التناسب والاحتياطات في الهجوم[22].

 

وليس من الواضح كيف تدمج القوات المسلحة الالتزام بمراعاة الآثار الارتدادية العرضية المتوقعة على المدنيين والأعيان المدنية في سياساتها وممارساتها العسكرية، على سبيل المثال في تقديراتها للأضرار العرضية. واستنادًا إلى آثار الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، لا سيما الأضرار الواسعة بالمدنيين التي نشهدها اليوم، تثور شكوك قوية في أن الآثار الارتدادية تؤخذ في الحسبان بشكل كافٍ كما تقتضي قواعد التناسب والاحتياطات في الهجوم.

 

8. هل تكفي أحكام القانون الدولي الإنساني لتنظيم استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان؟

 

مع أنه لا خلاف على أن أي استخدام للأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان يجب أن يلتزم بالأحكام المذكورة آنفًا للقانون الدولي الإنساني، فإن وجهات النظر تتباين بشأن كفاية هذه الأحكام لتنظيم استخدام هذه الأسلحة أو الحاجة إلى تفسيرها على نحو أوضح أو وضْع معايير أو قواعد جديدة. واستنادًا إلى آثار الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة التي نشهدها اليوم، تثور أسئلة جدية بشأن كيف تُفسِّر الأطراف التي تستخدم هذه الأسلحة القانون الدولي الإنساني وتُطبِّقه. وقد يشير تباين ممارسات الجيوش وتباعد وجهات النظر بين الخبراء وفي السوابق القانونية للمحاكم الجنائية الدولية فيما يتصل بما هو مقبول أو غير مقبول وفقًا للقانون، إلى وجود جوانب غامضة وملتبسة في تفسير القانون الدولي الإنساني، وحاجة الدول إلى إيضاح تفسيرها للأحكام ذات الصلة في هذا القانون، أو وضع معايير وقواعد أكثر وضوحًا من أجل حماية المدنيين حمايةً كافية.

 

وعلى أية حال، إن حظر الهجمات العشوائية وقاعدة التناسب وقاعدة اتخاذ الاحتياطات أثناء الهجوم التي يهدف كل منها إلى تحقيق توازن دقيق بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية قد وضعتها الدول من أجل الهدف الأسمى المتعلق بحماية المدنيين والأعيان المدنية من آثار الأعمال الحربية. وأي إشكاليات قد تثور في تفسير وتطبيق هذه القواعد على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان يجب حلها مع وضع هذا الهدف الأسمى في الاعتبار.

 

ومن شأن تحسين المعرفة بالسياسات والممارسات العسكرية القائمة، وزيادة الوضوح بشأن كيف تُفسِّر الدول وتُطبِّق القواعد ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، أن يساعد على إثراء المناقشات حول هذه المسألة الإنسانية المهمة، وتعزيز التقارب الممكن بين وجهات النظر، ومساعدة أطراف النزاعات المسلحة التي تسعى بحسن نية إلى الامتثال للقانون. وفي نهاية المطاف، سيفضي هذا إلى تعزيز حماية المدنيين في المناطق المأهولة بالسكان.

 

 

[1]  انظر أيضًا: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القانون الدولي الإنساني وتحديات النزاعات المسلحة المعاصرة، تقرير مُقدَّم إلى المؤتمر الحادي والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، تشرين الأول، أكتوبر 2011 الصفحة 48 (من النسخة العربية)، متاح في الرابط: https://www.icrc.org/ar/doc/assets/files/red-cross-crescent-movement/31….

[2] انظر: مجلس المندوبين 2013 "الأسلحة والقانون الدولي الإنساني "القرار 7 (CD/13/R7)، الفقرة 4، والذي دعت فيه الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر الدول إلى "تعزيز حماية المدنيين من الاستخدام العشوائي للأسلحة المتفجرة وآثاره، بما في ذلك عن طريق تطبيق القواعد القائمة للقانون الدولي الإنساني تطبيقًا صارمًا، وتفادي استخدام الأسلحة القابلة للانفجار التي تُحدث أثرًا واسع النطاق في مناطق مكتظة بالسكان". متاح في: https://www.icrc.org/ar/doc/assets/files/red-cross-crescent-movement/co….

[3] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "اجتماع الخبراء، الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة: الجوانب الإنسانية القانونية والتقنية والعسكرية"، جنيف، حزيران/ يونية 2015، التقرير متاح في الرابط (باللغة الإنجليزية): https://www.icrc.org/ar/document/explosive-weapons-populated-areas-cons….

[4] انظر على وجه الخصوص، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تقارير الأمين العام، عن حماية المدنيين في النزاع المسلح منذ 2009، متاح في الرابط: www.securitycouncilreport.org/un-documents/protection-of- civilians/، وتجميع لقرارات منظمات غير حكومية، متاح في الرابط: http://www.inew.org/learn-more-about-inew.

[5] انظر على وجه الخصوص: تجميع لبيانات الدول، متاح في الرابط: www.inew.org/acknowledgements.

[6] يُعرَّف "السلاح المتفجر" بأنه ذلك السلاح الذي يتم تنشيطه بتفجير مادة شديدة الانفجار مما يحدث انفجارًا وآثار التشظي.انظر أيضًا: Kenneth Cross, Ove Dullum, Marc Garlasco and N. R. Jenzen-Jones, Explosive Weapons in Populated Areas: Technical Considerations Relevant to Their Use and Effects, Special Report, Armament Research Services, Perth, 2015 متاح في الرابط: www.icrc.org/ en/document/explosive-weapons-populated-areas-use-effects.

[7] انظر: اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام، 2056 UNTS 211، 18 أيلول/ سبتمبر 1997 (دخلت حيز النفاذ في 1 آذار/ مارس 1999)؛ واتفاقية الذخائر العنقودية، 2688 UNTS 39، 30 أيار/ مايو 2008 (دخلت حيز النفاذ في 1 آب/ أغسطس 2010)؛ واتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية مُعيَّنة، البروتوكول الثاني المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى ، 2048 UNTS 93، (دخلت حيز النفاذ في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1998) وبالصيغة المعدلة في 3 أيار/ مايو 1996؛ والبروتوكول الخامس المتعلق بالمتفجرات من مخلفات الحرب، 2399 UNTS 100، 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003 (دخل حيز النفاذ في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006).

[8] انظر المادة 51 (5) (أ) في البروتوكول الإضافي الأول، والمادتين 3(9) و7(3) من البروتوكول الثاني المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى، الحاشية 8 أعلاه. ويرد تعريف "تجمع مدنيين" في المادة 1(2) من البروتوكول الثالث بشأن حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة بأنه "أي تجمع مدنيين، دائمًا كان أو مؤقتًا، كما في الأجزاء المأهولة من المدن أو البلدات أو القرى المأهولة، أو كما في مخيمات أو أرتال اللاجئين أو المهجرين، أو جماعات البدو الرحل".

[9] للاطلاع على المزيد عن موقف اللجنة الدولية بشأن الخدمات الحضرية أثناء النزاع المسلح الذي يطول أمده، انظر مقابلة مع جان فيليب دروس في هذا العدد من المجلة الدولية.

[10] انظر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الخدمات الحضرية أثناء النزاعات المسلحة الممتدة، جنيف، تشرين الأول/ أكتوبر 2015، متاح في الرابط:https://www.icrc.org/ar/publication/lkhdmt-lhdry-thn-lnzt-lmslh-lmmtd

[11] البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51 (4). وهذا أحد أحكام القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

[12] البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51 (5) (ب).

[13] البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51 (5) (أ). وهذا أحد أحكام القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

[14] انظر: البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51 (1).

[15] البروتوكول الإضافي الأول، المادة 57 (2) (أ) (ثانيًا). وهذا أحد أحكام القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. يرِد وصف الاحتياطات المستطاعة في المادة 3(10) من البروتوكول الثاني المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى، الحاشية 8 أعلاه، والتي تنص على أنها تلك الاحتياطات "العملية أو الممكن اتخاذها عمليًّا لحماية المدنيين من آثار الأسلحة مع مراعاة جميع الظروف السائدة في ذلك الوقت، بما في ذلك الاعتبارات الإنسانية والعسكرية".

[16] للاطلاع على العوامل المتصلة باختيار الأسلحة واستخدامها، انظر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الحاشية 4 أعلاه، الصفحات 5- 6، و24 - 30. انظر أيضًا: Yves Sandoz, Christophe Swinarski and Bruno Zimmermann (eds), Commentary on the Additional Protocols of 8 June 1977 to the Geneva Conventions of 12 August 1949, ICRC and Martinus Nijhoff,Geneva, 1987 (Commentary on the Additional Protocols), para .2212 .

[17] لمزيد من النقاش بشأن المنظور العسكري للحماية المدنية في حرب المدن، انظر مقالًا لناتالي دورهين في هذا العدد من المجلة الدولية للصليب الأحمر.

[18] انظر، تعليق على البروتوكولين الإضافيين، الحاشية 17 أعلاه، الفقرة 1962.

[19] انظر: البروتوكول الإضافي الأول، المادة 51 (4) (ب). المادة 3 (8) من البروتوكول الثاني لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية مُعيَّنة، تتضمن تعريفًا للاستخدام العشوائي "للألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى وأي أسلحة تستخدم طريقة أو وسيلة للإطلاق لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد" (التأكيد مضاف).

[20] تعليق على البروتوكولين الإضافيين، انظر الحاشية 17 أعلاه، الفقرة 1975: "حينما تكون المسافة الفاصلة بين هدفين عسكريين كافية لمهاجمة كل منهما على حدة مع الأخذ في الحسبان الوسائل المتاحة، فإنه يجب تطبيق الحكم تطبيقًا كاملًا. ولكن حتى إذا كانت المسافة غير كافية، فإنه يجب أن تؤخذ في الحسبان الخسائر المفرطة التي قد تنجم عن الهجوم".

[21] المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، المدعي العام ضد جاليتش، رقم القضية IT-98-29، الحكم، 5 كانون الأول/ ديسمبر 2003، الفقرة 58.

[22] للاطلاع على مزيد من النقاش بشأن الآثار الارتدادية للأسلحة المتفجرة عند استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان، انظر مقال إيزابيل روبنسون في هذا العدد من المجلة الدولية للصليب الأحمر.

متابعة قراءة #IRRC No. 901

المزيد حولمختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر, الألغام المضادة للأفراد